Go Back   منتديات قرية فطيس > المنتدي الإداري العام > منتدي المواضيع المنقولة
FAQ Community Calendar Today's Posts Search

Reply
 
Thread Tools Display Modes
Old 02-22-2012, 12:05 PM   #1
 
عارف عبد الرحمن

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 42
المشاركات : 1,617
بمعدل : 0.31



عارف عبد الرحمن is offline
Default رحيل وردي عند الصحفي والكاتب : عمر العمر

المفاجأة في سيرة وردي ليست في رحيله، بل في حياته ثمانين حولاً. وردي رجل تضج قامته الفارعة على امتلائها بنزق الفنان الشفاف وقلق المبدع المرهف وضجر الموسيقار من رتابة الإيقاع اليومي وسهد الليالي الخالية من الأنس الجميل والفرح الموشى.
وردي إنسان تتمكن النرجسية منه، تمكنه من الغناء، فتفيض نفسه كبرياء عارماً يغرق من لا يعرفه في الأحكام الجائرة بحقه.
وردي مواطن مستنير شديد الاعتداد بجذوره ،مفرط في إحساسه بوطنيته، جسور في الانتماء إلى الشعب.
وردي فنان ينام ويحلم ويصحو على رصيده في التلحين والتطريب مهجوس بالتجديد وتعزيز جماهيريته.
وردي أراد لنفسه حياة الفنان المتفرد حتى لو حملته هذه الإرادة الغلابة للانغماس في بوهيمية المبدعين تقلبا في نورها أو اكتواء بنارها.
وردي ابن الطبقة السودانية الوسطى الأصيلة ينفق حين يواتيه الفرج إنفاق من لا يخشى الفقر، وينطوي على نفسه بكبرياء عفيف يحسبه الجاهل غنياً من التعفف.
هكذا قضى وردي سيرة حياته متأرجحاً بين الخير والشر، بين الجمال والجمال، راكباً كل أمواج المد والجزر. رجل هذا حاله يعجب المرء في بقائه على الصمود حتى الشرفة الأخيرة في السبعينات أو عتبة الثمانينات.
وردي ظل طوال سني عمره في حرب مع المكان. لديه شعور مكين بأن قامته أكبر مما يشغل من مساحة. هكذا ضاقت به صواردة فسبح عكس التيار يلتمس رحابة في العيش والمكان. هو الإحساس نفسه دفعه إلى كسر جدران الفصول المدرسية بحثاً عن أفق أوسع لحنجرته. هو شعور مبكر بقدرة على مخاطبة قطاع شعبي أكثر عرضاً من قاعدة التلاميذ. موهبة أصيلة تبحث عن فضاء أوسع للتعبير عن ذاتها والانطلاق.
هكذا تأبط وردي عوده وارتحل إلى العاصمة، المدينة الأرحب والأوسع والأكبر، جاءها بروح التحدي فما كان له أن يخسر الرهان فانطلق منها إلى فضاء السودان عبر الأثير.
مخملية الفن والشهرة لم تحجب وردي عن انتمائه الشعبي. عندما استدعى ظرف سياسي كسر وردي أطره المخملية ونزل إلى الشارع، شارعاً حنجرته ضد العسكر. مرة أخرى ومن موقع مغاير يؤكد الفنان صراعه المحموم مع المكان.
معزز بالروح الوطنية ذاتها ومشرب بالصراع المحموم نفسه ضاقت مساحة الوطن بوردي غير مرة ،فآثر تحت ضغط الإحساس بالانتماء إلى الشعب دخول السجن على تجاهل حقوق المواطن مع بقائه على هامش الوطن.
حين ضاق صحن الوطن بقامة وردي اختار العيش في المنفى بكل شظف المعاناة. تلك لم تكن نزوة بل انطلاقاً من إلتزام أكيد بوعي الفنان ودوره في التنوير. لذلك تردد وردي على المنفى أكثر من مرة.
في سياق صراعه المحموم مع المساحة لم يقصر وردي صوته على التطريب، بل شرع حنجرته بالأناشيد الوطنية الحماسية فألهب الجموع.
لعمرك ما كان السودان ليضيق بأهله لكن آفاق الرجال تضيق. على هذا النسق ضاق المنفى بوردي فعاد قافلاً إلى مقرن النيلين. ذلك لم يكن عن وهن في الإرادة. وغباش في الوعي أو عمش في الرؤى.
صحيح وجد وردي في الإنقاذ بعد رجوعه دفئاً لم يكن يخطر ربما بباله، لكن دفء النظام لم يذب انتماءات وردي القديمة، كما لم يجد في حضنه ما يعينه على الانسجام مع المكان والزمان. هي الحقيقة المؤطرة في جنازته شبه الرسمية. هو الانتماء إلى الجذور الذي اجتهد وردي لابتداعه في موسيقاه حين أدخل طمبوره على جوقة أوركستراه. في نوتته الموسيقية، ضاق وردي بسلالمنا التقليدية وإيقاعاتنا الرتيبة فحلق بأغنياته في مدارات قصية على أنداده ومجايليه.
هو الشعور الإبداعي نفسه حيث تتلاقى النوبية بالعربية حتى لتذوب كل منها في الأخرى في فضاء أكثر خصوبة. هو الإبداع الموشي عربية وأفريقية الذي حمل صاحبه إلى فضاء القارة السمراء نجماً زاهياً لامعاً.
بعد 80 حولاً أكثر سني عقودها حضوراً مثيراً يحق لوردي أن يضيق بدنيانا فيرحل إلى العالم الآخر.


التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC] رعتني أرضها طفلا…… فكيف أسومها غدري
وأصبو لذاتها عمري …… وحق لخيرها شكري
  Reply With Quote
Reply


Posting Rules
You may not post new threads
You may not post replies
You may not post attachments
You may not edit your posts

BB code is On
Smilies are On
[IMG] code is On
HTML code is Off

Forum Jump


All times are GMT. The time now is 06:43 PM.


Copyright ©2000 - 2024, Futeis.com