View Single Post
Old 11-23-2010, 01:35 PM   #2
 
ابودباره

تاريخ التسجيل: Mar 2010
رقم العضوية : 35
السكن: فطيس - فرج الله
المشاركات : 157
بمعدل : 0.03



ابودباره is offline
Default

ولكن قل لي يا صاحٍ لماذا استنهاض هذا التاريخ الكالح السواد الآن. سأقول لك اختصاراً إنه الشيخ نفسه الذي دأب على زيارة باريس من حين لآخر، بدعوى الاستشفاء أو إجراء فحوصات طبية، ولسبب لا ندري كنهه فهو يحلو له زيارة العاصمة القطرية الدوحة في الغدو والرواح. هذا الضبط ما حدث قبل نحو أسبوعين تقريباً. وأثناء إقامته قام بتسجيل عشر حلقات لبرنامج (شاهد على العصر) لمقدمه أحمد منصور. وتردد أن الترابي أفشى فيها أسراراً تهتز لها أفئدة الثقلان، مما اضطر مدير قناة الجزيرة وضّاح خنفر (وهو بالمناسبة ابن سرحتهم، أي الحركة الإسلاموية السودانية) أن يطير للخرطوم في زيارة خاطفة لمدة يوم واحد أثناء وجود الترابي في الدوحة، وقابل مسؤولاً كبيراً في القصر الجمهوري، وذلك بحسب رئيس تحرير هذه الصحيفة (الأحداث 11/11/2010) الذي كتب مقالاً بعنوان (البشير في الدوحة ووضاح خنفر في القصر الجمهوري) وحاول استنكاه ما وراء الخبر بثلاثة احتمالات شاركناه واحدة منها، وهي القائلة إن الترابي أفرج عن أسرار يشيب لها الوالدان!
ذلك ما فتح شهية من ألقى السمع وهو شهيد في المدينة التي لا تعرف الأسرار مطلقاً. ثم حاول الكثيرون ونحن منهم سبر غور الحدث لعله يكشف ما يطفيء الظمأ ويروي حب الاستطلاع. بيد أنني سألت نفسي سؤالاً مشروعاً واحسب أن الكثيرين سألوه لأنفسهم بقدر سواء. هل ما يزال في الكأس باقٍ؟ بمعنى أن الكثيرين يعتقدون أن الطرفين أفرغا كل الهواء الساخن من صدورهم، وذلك على مدى عقد كامل من الزمن، وبالتالي لم يبق شيئاً يستحق الذكر أو الاهتمام. لكني وجدت نفسي على خلاف ما زعموا، وهو أنه ما زال ثمة شيء في جعبة الترابي يبدو أنه ادّخره لليوم الأسود! ليس من المنطق في شيء ابتسار الأشياء والتسليم بالقليل الذي نضح عنه، وهو من وقف على رأس تنظيم ما يناهز نصف قرن، وحكم الدولة كلها لنحو عشر سنوات بالتمام والكمال. وطالما هو يظن أنه يملك ما يمكن أن يخلخل به الأرضية التي تقف عليها عصبته القديمة، فلنحاول إذن استشفاف ماهية السر المكنون الذي رمى به في حلبة قناة الجزيرة. وهي بحسب ظننا تكمن فيما أسميناه بالعشر الموبقات:
أولاً: كلنا يعلم أن ثمة رؤوس تطايرت في بواكير عهد العصبة الحاكمة في العام 1990. ومنذاك الوقت أريق حبر كثير بمثلما أريق دم الضباط الثمانية وعشرين، واضعافهم من ضباط الصف والجنود. والذين حوكموا صورياً بما يشبه محاكمات عصر التفتيش، وذلك بدعوى الشروع في عمل انقلابي من جنس ما فعلته العصبة نفسها. ولم يستغرق الحدث سوى ساعتين شاملة وقائع التنفيذ الدراماتيكية والتي يقشعر منها البدن، ثمّ دفنوا في مقبرة جماعية بمكان غفر لم يستدل أحد حتى الآن عليها. ولأن تلك من الجرائم التي تظل شاخصة أبصارها مدى الدهر، فهل يا ترى كشف الترابي عن ملابسات ما حدث، بمعنى من الذي أصدر القرار؟ ومن شارك في تنفيذه؟ ومن دعمه؟ ومن صمت ولو من باب أضعف الايمان؟
ثانياً: من الجرائم التي ما زالت تلقي بظلالها الكئيبة على الواقع السوداني، هي جريمة قطع الأرزاق أو ما سُمي بالفصل للصالح العام. إذ يعتقد البعض مخطئين أنه مجرد قرار قذف بأكثر من مائة ألف عامل من جهاز الدولة إلى الشارع. ولكن الحقيقة إنه القرار الذي يتجرع الناس كؤوسه المُرة حتى اليوم. فهو القرار الذي أورث السواد الأعظم من أهل السودان الفقر المقيم، لا سيّما، وأن الترابي نفسه هو القائل إن نسبة الفقر أكثر من 90% وهو القرار الذي أنتج فيما بعد ظاهرة أطفال المايقوما وأكثر من 800 طفل باتوا يدخلونها كل عام، وهو القرار الذي جعل الناس يطالعون يومياً في الصحف إعلانات الخزي والعار التي تصدر من المحاكم ضد أناس هجروا عائلاتهم إما بسبب الإعسار أو بسبب الغيبة أو خوف الفتنة. وهو القرار الذي جعل البعض يقطع بحوراً ومحيطات طلباً للعيش الكريم والذي عزّ عليهم في بلادهم. فهل يا ترى أفصح الترابي في اللقاء المذكور عن الذين ارتكبوا هذه المجزرة البشعة، واستنوا سنة الإبادة الجماعية من قبل أن يُعرِّفها موريس أوكامبو؟
ثالثاً: من الإنجازات الشامخات في سجل العصبة المخزي، تلك البيوت سيئة السمعة، والتي أطلق عليها اسماً مرعباً (بيوت الأشباح) نسبة لما كان يجري بداخلها من ممارسات أرسلت الكثيرين للعالم الآخر، ومن كان محظوظاً خرج بعاهة مستديمة ستلازمه ما بقي حياً. على سبيل المثال ما ورد في المذكرة التي رفعها دكتور فاروق محمد إبراهيم لرأس الدولة واتّهم فيها مسؤولان يقفان الآن على قمة جهاز الدولة بالاشراف على تعذيبه، وهما دكتور نافع علي نافع واللواء بكري حسن صالح، وذكر فيها حالة مأساوية تخص أحد المواطنين (الواجب يقتضي أن أدرج حالة موظف وزارة الإسكان السابق المهندس بدر الدين إدريس التي كنت شاهداً عليها، فقد تعرض لتعذيب لا أخلاقي شديد البشاعة، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن فقد عقله وقام بذبح زوجته ووالدها وآخرين من أسرته. كان في ثبات وصمود ذلك الشاب الهاش الباش الوسيم الأسمر الفارع الطول تجسيداً لكرامة وفحولة وعزة أهل السودان. وكان أحد الجنود الأشد قسوة – لا أدري إن كان اسم حماد الذي أطلق عليه حقيقياً – يدير كرباجه على رقبتينا وجسدينا نحن الاثنين في شبق. وفي إحدى المرات أُخرج بدر الدين من بيننا ثمّ أعيد لنا بعد ساعات مذهولاً أبكم مكتئباً محطماً كسير القلب. ولم تتأكد لي المأساة التي حلت ببدر الدين منذ أن رأيته ليلة مغادرتنا لبيت الأشباح منتصف ليلة 12 ديسمبر 1989 إلا عند اطّلاعي على إحدى نشرات المجموعة السودانية لضحايا التعذيب هذا الأسبوع) فهل يا ترى كشف الترابي اسماء من وقفوا وراء تلك الفكرة الجهنمية، وأشرفوا بشخوصهم على المعتقلين تعذيباً وقتلاً وتنكيلاً؟
رابعاً: ما دام دكتور الترابي نطق بكل شيء، فلابد أنه كشف اللغز حول أرواح أزهقت بذنوب نهت عنها العصبة وجاءت بمثلها. فهل يا ترى أفصح الترابي عن ملابسات قتل شاب برئ اسمه مجدي محجوب محمد أحمد وآخرين بنفس تهمته، هما جرجس القس يسطس وابن الجنوب أركنجلو. وبالقدر نفسه هل يا ترى كشف الترابي عن الذين أُعدموا غدراً وغيلة دون أن يعرفوا هم أو من يحبونهم أي ذنب ارتكبوه، مثل الطبيب علي فضل الذي خرج من أسرة كادحة كانت تنتظر تخرجه حتى يرتقي بحالها. وفيهم المعلم عبد المنعم سليمان، وفيهم المهندس أبوبكر راسخ. ليس هذا فحسب ففي قطاع الطلاب ثمة عشرات راحوا في رحلة اللاعودة، بدءً بالطالبة التاية أبو عاقلة ومروراً بالطالب محمد عبد السلام، وانتهاءً بسبحة كرت حباتها ولم تتوقف. أولئك ضحايا لهم بواكٍ وثواكل فهل يا ترى برّد الترابي حشا أمهاتهم بما انتظروه زمناً!
خامساً: كلنا يعلم أن الترابي كثيراً ما لوّح ببطاقة يعتبرها من أثمن ما يملك ضد عصبته القديمة. فقد سبق وان قال لقناة العربية (أبريل 2006) إنه على استعداد للشهادة أمام أي محكمة دولية إذا ما طلبت منه الإدلاء بشهادته في قضية محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو 1995 ويقول الترابي دائماً إنه كرجل قانون يعلم أن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. وقد حاول مراراً الإيحاء بين وقائع ذلك الحدث وبين ما استجد فيما يعرف بقضية المحكمة الجنائية، والتي وجهت اتّهامها إلى ثلاثة مسؤولين على رأسهم رأس الدولة المشير عمر البشير. فهل يا ترى ذهب الترابي إلى أبعد مما قال من قبل وأورد تفصيلات أذهلت كل مرضعة عما أرضعت!
سادساً: ما لله لله وما لقيصر لقيصر، واقعة أديس أبابا - بتعبيرات من قسّم العالم إلى فسطاطين - تبعتها أحداث درامية، أودت بحياة ثُلة ممن يُظن أنهم يعرفون أكثر مما ينبغي من أهل العصبة نفسها، فقد ذكر دكتور منصور خالد في كتابه الموسوم بـ (أهوال الحرب وطموحات السلام) بعض تفاصيل الحادث وأشار تحديداً في قوله (التصفية فيما يتجلى، أصبحت منهجاً يستسهله نائب الرئيس وثمانية رهط في المدينة. فعقب فشل المحاولة، تمت تصفية أحد موظفي الإغاثة ويدعى محمد الفاتح أمام زوجته في أديس أبابا حتى يزال أي أثر للجريمة، وكان الفاتح واحداً من العناصر التي كانت على علم بتدبير الجريمة، وما زال قاتله يعمل في ديوان الزكاة) تلك صحيفة اتّهام واضحة وضوحا لا لبث فيه ولا غموض، والمنصور نفسه يجلس إلى جوارهم الآن. وكنا نحن أيضاً قد أوردنا بعض تفاصيل عن هذه العملية بذات المستوى نسبة لذياع صيتها، وذلك في كتابنا المسمى (سقوط الأقنعة) بأريحية في الأسماء المتورطة، مع اختلاف في التفاصيل،. فهل يا تُرى كشف الترابي طلاسمها؟
سابعاً: بصورة أخرى، هل قال الترابي شيئاً جديداً حول الفترة التي قضاها ساكن تورا بورا أثناء وجوده في السودان ضيفاً عزيزاً على عصبته، وهو الإجراء الذي دفع السودانيون ضريبته، وقوفاً وصلباً على بوابات مطارات العالم وموانئه بتهمة الإرهاب، وهم الذين عرفوا من قبل بأنهم قوم وديعون. وإن كان لا يُعتقد أن الترابي سيكون عنده في هذه المسألة أقيم وأثمن مما حمله أحد أفراد العصبة الذين وصفتهم السيدة جنيداي فريرز بأنه (رجل أمريكا في السودان) وقطع المحيط مرتين متوجهاً نحو منطقة لانغلي بولاية فرجينيا حيث يقبع مبنى الوكالة التي دوخت العالم بعملياتها السرية والعلنية، ومتأبطاً ملفات جعلت العيون تخرج من محاجرها، فقد كان الرجل سخياً كريماً معطاءً، حتى قال الممنوح للمانح (يا للعنة لقد أعطونا أكثر مما كنا نتوقع) ومع ذلك هل لدى الترابي أكثر مما همى به غيث حِواره السابق في دهاليز الوكالة المشار إليها؟
ثامناً: تلك الفترة مهما قيل فيها فإنها تعتبر من أكثر الفترات ثراءً في الموبقات. فعلى هامش وجود من أصبح يحمل المتهم رقم واحد في العالم ضيفاً عزيزاً على العصبة آنذاك، ثمة ملحقات حدثت ولا يعرف السودانيون لها مستقراً أكثر مما جادت به قريحة الإعلام الكذوب. على سبيل المثال، يذكر الناس يومذاك شخصاً يحمل الجنسية الليبية اسمه الخليفي، وهو الرأس المدبر لحادث مسجد أنصار السنة الكائن في الحارة الأولى، والذي فتح رشاشه على مصلين خاشعين ساجدين، فأودى بحياة أكثر من عشرين، ومثلما يحدث في أفلام رعاة البقر حدثت مطاردات بينه وبين آخرين في شوارع البلد الذي كان دار سلام وأمن واستقرار، إلى أن انتهى به التطواف في منزل حامل لواء التطرف العالمي، ودارت معركة بينه وبين حراسه، المهم تلك من القضايا التي لا يعرف الناس عنها شيئاً وتكررت بذات السيناريو في مسجد الجرافة، وأحد (الكنابي) بمدينة ود مدني. فهل يمكن أن نتوقع الترابي وقد روى ظمأ المتعطشين لمعرفة ما وراء الأكمة؟
تاسعاً: للأعياد في السودان دائما طعم الحنظل ذلك لأن عشية عيد فطر نُحر أولئك الضابط المذكورين أعلاه، وفي عيد أضحية جاءت العصبة بما هو أشر وأضل، ففي يوم الجمعة 2/4/1998 فتح جلاوزة الدفاع الشعبي النيران على ظهور أكثر من مائة شاب يافع في معسكر السليت بمدينة العليفون. كانت تلك جريمة نكراء أكدت في النهاية أن أُولئك الطلاب ماتوا سمبلة (أي دون أن يحقق في موتهم أحد) فهل يا ترى نطق الترابي بالذي ازاح الغموض عن تلك القضية حتى يزيح أهلهم ثوب الحداد الذي تدثروا به لأكثر من عقد من الزمن؟

  Reply With Quote